top of page

هل سنشهد عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا؟

قامشلي | بروكسل | متاح باللغة الانكليزية

 


عملية تركية قادمة لا محالة. وهذا ما يدور في أذهان جزء كبير من سكان شمال شرقي سوريا، بسبب التجربة المريرة التي مروا بها قبل كل تدخل تركي، والتي تزداد فيها وتيرة التصريحات والتهديدات، مع تحركات دبلوماسية وأمنية وعسكرية. المؤشرات هي نفسها قبل كل عملية تركية مع وجود خلافات طفيفة في السياق، حيث نقلت صحيفة خبر٧ المقربة من الحكومة عن مصادر قولها إنه "تم تبادل المعلومات مع قيادات فصائل الجيش الوطني حول الاستراتيجية وتكتيكات العملية العسكرية التي سينفذها بخطين رئيسيين وجيش قوامه 35 ألف شخص ". وهذا ما حدث بالفعل، وتم إرسال تعزيزات إلى إدلب التي تشهد توترًا غير مسبوق منذ تفشي وباء كورونا بين جبهة النصرة والفصائل الأخرى، بالإضافة إلى القصف، ولشن أي عملية عسكرية، يحتاج أردوغان إلى ضوء أخضر روسي وأمريكي، فضلاً عن تغاظي أوروبي ومحركات اقتصادية وظروف سياسية داخلية مواتية.


الموقف الروسي:

في التاسع والعشرون من سبتمبر الماضي، قام الرئيس التركي رجب طيب أردوغان بزيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بعد انقطاع دام ثماني عشرة شهراً، حيث رآها بعض المحللين انها هدفت ألى أخذ ضوء أخضر من روسيا لشن عملية عسكرية جديدة تستهدف مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية، وعلى الرغم من الابتسامات "الدبلوماسية"، فإن لغة الجسد وعدم وجود مؤتمر صحفي ختامي من الأسباب التي دعت إلى التشكيك في أي اتفاق بين الطرفين بشأن مناطق شمال وشرق سوريا.


يعتقد البعض أنه مقابل ضوئها الأخضر، تريد روسيا من تركيا الانسحاب من إدلب والسماح للجيش السوري بدخولها ، أو على الأقل السيطرة على طريق M4 الذي يربط مدينتي حلب واللاذقية ، مما يعني ضمناً دخول الجيش السوري لمدن أريحا ومحمبل وجسر الشغور، ويعني عملياً تخلي أردوغان عن الفصائل الموالية له في ادلب وريفها.


وفي تطور جديد قامت مقاتلةً روسية قصفت مقرَّ ما تُسمَّى بالفرقة الثالثة والعشرين، التابعة للاحتلال التركي، في ناحية جنديرس، وهي ليست المرة الأولى التي تقصف فيها الطائرات الروسية الفصائل الحليفة لتركيا في الأسابيع الماضية، ومن ناحية أخرى، أرسلت تركيا آليات وجنودًا إلى إدلب، حيث ينظر اليها البعض على انها تدخل في خانة التوترات بين الحليفين، لكن يمكن أن يكون أيضًا تنسيقًا وترتيبات رفيعة المستوى للجولة السابعة عشرة من أستانا.


الموقف الأمريكي:

كررت الإدارة الأمريكية الجديدة مرارًا وتكرارًا أنها لن تنسحب من سوريا، وأنها ملتزمة بمحاربة داعش ومساعدة شركائها، قوات سوريا الديمقراطية، على تحقيق الاستقرار، لكن التأكيدات الأمريكية لم تشر إلى منع لأي عملية عسكرية تركية، وعلى الرغم من ذلك، يمكن الاستنتاج من هذه التصريحات وبرودة العلاقة بين الطرفين. لن تسمح الولايات المتحدة بحدوث أي عمل عسكري، خاصة وأن الولايات المتحدة تزعزعت ثقتها في نوايا تركيا لقتال تنظيم الدولة الإسلامية مع تصاعد نشاط خلايا تنظيم الدولة الإسلامية في مناطق سيطرة تركيا في الآونة الأخيرة.


كما أن الإدارة الأمريكية لا تزال تلملم آثار انسحابها من أفغانستان ومن غير المرجح أن يسمح لتركيا بشن أي عملية عسكرية جديدة في مناطق نفوذها في سوريا ، لأن ذلك من شأنه أن يضع الإدارة الأمريكية تحت ضغط وزعزعة ثقة الحلفاء، بالإضافة إلى التوتر في العلاقات القائمة سابقًا بين الولايات المتحدة وتركيا وبين تركيا وحلف شمال الأطلسي بسبب امتلاك تركيا لصواريخ S-400، وهو ما ظهر في تصريحات الأمين العام لحلف شمال الأطلسي بشأن في 22 أكتوبر ، حيث قال ستولتنبرغ: من غير المقبول أن تمتلك دولة عضو في الحلف منظومة الدفاع الروسية الصاروخية S-400.


الموقف الأوربي:

لا تزال الخلافات بين تركيا ودول الاتحاد الأوروبي قائمة ويمكن أن تنفجر في أي لحظة، حتى بعد أن تراجع أردوغان عن طرد سفراء الدول العشر التي أصدرت بيانًا مشتركًا يطالب بالإفراج الفوري عن رجل الأعمال ورجل الأعمال عثمان كافلا، والتوترات ليست جديدة بين الطرفين، إذ أشار بيان المفوضية الأوروبية بوضوح إلى إغلاق باب الاتحاد الأوروبي أمام تركيا إلى حين تنفيذ التزاماتها في تعزيز الديمقراطية وحقوق الانسان التي يبدو أن حكومة حزب العدلة والتنمية لا تريد الالتزام بها.


المانيا صاحبة أكبر علاقة اقتصادية مع تركيا لن تستطيع حماية اردوغان او لعب دور في تهدئة الأمور بين الطرفين في الوقت الراهن بسبب عدو وجود حكومة المانيا والتي يتوقع انها بحاجة الى أسابيع كثيرة.


الوضع الاقتصادي:

على الرغم من ارقام الحكومة التركيا والتي تظهر ان الوضع الاقتصادي في تحسن مستمر الا ان الواقع الذي يعيشه الاتراك من غلاء الأسعار وانتشار البطالة تؤكد عدم مصداقية ارقام الحكومة، كما يشكل انهيار العملة التركية والتي سجلت مستوى قياسي حيث بلغت 9.62 ليرة للدولار الواحد، وهو أدنى مستوى تصل اليه العملة التركية في العقدين الماضين، مؤشر أخرى على صعوبة تنفيذ أي عملية عسكرية جديد فالعامل الاقتصادي تعتبر من أساسات أي عملية عسكرية وبنسبة كبيرة تضمن نجاحها أو فشلها.


الوضع السياسي التركي:

داخلياً تعيش تركيا أجواء تذكرنا بالأجواء التي رافقت انهيار الاتحاد السوفيتي في بداية التسعينيات، ووفق لمسح أجرته مؤسسة (ORC Research) المعروفة بقربها من حزب العدالة والتنمية، أن الحزب سيحصل فقط على ما نسبته 11.4 بالمئة من أصوات الأجيال الشابة، حيث شهد الحزب العدالة والتنمية على مدى السنوات الماضية انشقاقات عديدة، و أبرزها انشقاق (داوود أوغلوا، على باباجان) وتشكيلهم لأحزاب مستقلة معارضة لحزب العدالة والتنمية، واللذان الى جانب أحزاب المعارضة الأخرى كثفت من لقاءاتها في الفترة الأخير بهدف تشكيل جبهة موحدة في وجه الحزب الحاكم لخوض الانتخابات الرئاسية القادمة، ولكن يبدو انها لم تتوصل الى اتفاق حول سياسة خارجية موحدة الى الان لوقف التدخلات الخارجية، باستثناء حزبي الشعب الجمهوري والشعوب الديمقراطية اللذان عارضة تمديد بقاء القوات التركية في سوريا والعراق لمدة عامين , ولكن أستطاع العدالة والتنمية تمرير القانون عبر البرلمان مستغلاً الأكثرية البرلمانية الحالية اللي يتمتع بها مع حليفه الحركة القومية .


تدخلات اردوغان الخارجية والأوضاع المعيشية الصعبة ساهمت في تراجع شعبية حزب العدالة والتنمية ليس فقط بين فئة الشباب، بل بشكل عام، حيث كشفت نتائج أحدث مسح أجرته شركة "ميتروبول" للأبحاث واستطلاعات الرأي، عن انخفاض كبير في شعبية الحزب الحاكم، فقد بيّنت أنه لن يحصل على أكثر من 29.3 بالمئة من أصوات الناخبين في أي انتخابات قادمة رغم أن كان قد حصل على 42.56 بالمئة من الأصوات في الانتخابات التي شهدتها تركيا عام 2018.


الخلاصة:

بناءً على تحليل العلاقات الخارجية لتركيا التي تعيش في عزلة شبه تامة ، والأوضاع الداخلية والوضع الاقتصادي يمكن استبعاد وقوع أي عملية عسكرية تركية جديدة، لكنها قد تكون أيضًا أحد محركات هذه العملية، والتي ستساهم في تخفيف الضغط الداخلي على أردوغان وحزب العدالة والتنمية ، لكنها ستكون مغامرة محفوفة بالمخاطر قد تؤدي بتركيا إلى الانهيار الاقتصادي والتفكك السياسي والاجتماعي الداخلي الذي قد يشعل حربًا أهلية أو انقلابًا عسكريًا جديدًا. شخصية محافظة ومتشددة مثل أردوغان لديها القدرة على التصعيد بشكل غير مسؤول.


وسواء حدثت عملية عسكرية أم لا ، فإن الانتهاكات مستمرة بحق سكان المدن المحتلة من قبل فصائل الجيش الوطني المتشدد، ، ومازالت تركيا مستمرة بخرقها للاتفاقيات التي ابرمتها مع روسيا والولايات المتحدة عبر القيام بعمليات قصف متكرر لمعظم البلدات والقرى على خط النار واستهداف قيادات عسكرية رفيعة المستوى في شمال وشرق سوريا عبر أسطول طائراتها المسيرة، وستؤدي الى كارثة إنسانية لمئات الألوف من النازحين والسكان المنطقة من كافة المكونات، وعلى الأولويات المتحدة وروسيا الاتحادية تنفيذ جميع التزاماتهما تجاه سكان شمال شرق سوريا ، وعليهما اتخاذ مواقف واضحة تمنع حدوث أي عمليات عسكرية جديدة ، وتبذل جهود أكبر لتنفيذ القرار 2254.


bottom of page